کد مطلب:280404 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:273

آل عمران
انقسم الیهود حول المسیح المنتظر، ففریق قال إنه یأتی من نسل یوسف. وقال آخرون إنه یأتی من نسل داوود، وذكر (ملاخی) أن الله جعل عهده فی سبط (لاوی بن یعقوب). وذكر العهد القدیم أن من أبناء لاوی (نحشوم) وولد له (عمرام) وولد لعمرام موسی وهارون ومریم [1] ومن هذا النسل اختار الله تعالی الهداة الذین یسوقون المسیرة الإسرائیلیة إلی الصراط المستقیم.



[ صفحه 115]



ولقد كشف یهود أورشالیم برامجهم وثقافاتهم التی تدعو إلی انتظار ابن داوود الذی یعید مملكة داوود التی تعتبر عنوانا لعهد الله لإبراهیم، وهذه البرامج والثقافات تخالف نصوص قطعیة فی العهد القدیم حدد فیها من أی سبط یأتی المسیح المنتظر، وإذا نظر الباحث فی نسل داوود كما جاء فی العهد القدیم، یجد أن فاتحة النسل جاءت من الزنا كما ذكر العهد القدیم، فیهوذا بن یعقوب زنی بامرأة ابنه المسماة (ثامارا) وأنجب منها فارص، وفارص أنجب حصرون، وحصرون أنجب أرام، وأرام أنجب عمیناداب، وعمیناداب أنجب نحشون، ونحشون أنجب سلمون، وسلمون أنجب بوعز، وبوعز أنجب عوبید، وعبید أنجب یس، ویس أنجب داوود، ولما كانت المقدمة بها زنا كما ذكر العهد القدیم، فإن هذه المقدمة لا تؤهل النسل فی الدخول فی جماعة الرب كما ذكر العهد القدیم أیضا، وهو قوله لا یدخل ابن زنی فی جماعة الرب حتی الجیل العاشر. لا یدخل منه أحد فی جماعة الرب. [2] .

وعندما بعث المسیح بن مریم علیهما السلام. وهو من نسل (عجرام) كما سنبین فی موضعه. كانت ثقافة التفسیر الشفهی للتوراة تغمر الساحة وتمد أتباعها بوقود انتظار بن داوود، وعندما لم یأت المسیح للیهود بما تشتهی أنفسهم رفضوه وتآمروا علیه، وبعد عصر المسیح علیه السلام أراد النصاری إثبات دعوة المسیح أمام الیهود، فألحقوا المسیح بنسل داوود، لیجعلوا الیهود بهذا الالحاق من الخارجین علی المسیح علیه السلام، وترتب علی هذا الالحاق إشكال، هو أنهم جعلوا للمسیح علیه السلام أربعة أجداد من الزنا، ومن كان كذلك فقد خرج من حزب الله كما صرح العهد القدیم، والأجداد



[ صفحه 116]



الأربعة هم: مؤاب. فارص. بن عمی. سلیمان، (أما مؤاب وبن عمی) فهما ابنا لوط. ذكر العهد القدیم. أن لوطا زنا سكرانا بابنتیه فولدت له الكبری مؤاب وولدت الصغری بن عمی، [3] ومن الأول جاء الموابیون ومن الثانی جاء العمونیون، والعهد القدیم یقول (لا یدخل عمونی ولا موآبی فی جماعة الرب حتی الجیل العاشر، لا یدخل منهم أحد فی جماعة الرب إلی الأبد [4] (وأما فارص) فولد من ثامارا بعد أن زنی بها یهوذا [5] (وأما سلیمان) فولد من بت شبع امرأة أوریا حیث زنا بها داوود [6] - وحاشاه! والعهد القدیم یقول لا یدخل ابن زنی فی جماعة الرب حتی الجیل العاشر. [7] .

فوقها لهذه النصوص یكون الذین ألحقوا المسیح علیه السلام بنسل داوود، قد أخرجوه فی الحقیقة من جماعة الرب إلا الأبد، لأنه لا یدخل جماعة الرب كل ولد زنا ولا سیما المؤابیین وبنی عمی وهو منهما، ومما یزید الإشكال إشكالا أنهم علی الرغم من هذا النسب اعتبروا المسیح علیه السلام ابنا لله أو إلها متجسدا فی الناسوت وتلك مصیبة كبری.

وفی إشكال نسب المسیح یقول موریس بوكای: تطرح شجرتا النسب اللتان یحتوی علیهما إنجیلا متی ولوقا، مشاكل تتعلق بالمعقولیة وبالاتفاق مع المعطیات العلمیة، ومن هنا فهی مشاكل تتعلق بالصحة، وهی مشاكل تحرج جدا المعلقین المسیحیین.. وبادئ ذی بدء یجب ملاحظة أن هذین النسبین من جهة الرجال كما ذكر إنجیلا متی ولوقا،



[ صفحه 117]



معدوم المعنی فیما یتعلق بالمسیح، ولو كان من الضروری إعطاء المسیح نسبا وهو وحید مریم أمه ولیس له أب بیولوجی، فیجب أن یكون ذلك النسب من جهة مریم فقط. [8] .

ولقد تضارب إنجیل متی مع إنجیل لوقا فی نسب المسیح إلی داوود، فبینما یذكر متی أن من داوود إلی المسیح 26 جیلا، یذكر لوقا إنه 41 جیلا، وبینما یذكر متی أن یوسف النجار ابن یعقوب، یذكر لوقا إنه ابن هالی، وبینما یذكر متی أن المسیح من ولد سلیمان بن داوود، یذكر لوقا إنه من ولد ناثان بن داوود، وبینما یذكر متی أن شلتائیل ابن یكنیا، یذكر لوقا إنه ابن نیری، وبینما یذكر متی أن ابن زور بابل یدعی أبیهود، یذكر لوقا إنه یدعی ریسا. [9] وبالجملة: النسب فی العهد القدیم به ولد زنا، والنصوص القاطعة تفید أن من جاء من هذا الطریق لا یدخل جماعة الرب، وبعد بعثة المسیح انطلق متی ولوقا فی إنجیل كل منهما. من دائرة المسیح إلی دائرة نسب داوود التی ذكرها العهد القدیم، لإثبات أن المسیح بن مریم علیه السلام. هو ابن داوود المذكور عند الیهود. فجاء الانطلاق من دائرة إلی دائرة محرجا أمام النصوص.

والقرآن الكریم ینسب المسیح إلی أمه نسبة الولادة، وینسبه إلی الله نسبة الخلقة، ولقد طهر الله تعالی المسیح عن العهر عبر الأصلاب والأرحام وعما ینافی الطهارة إطلاقا بكلمة واحدة، وهی قوله عند ولادته (وجعلنی مباركا أینما كنت) [10] أی أینما كنت قبل الولادة فی رحم أمی وجداتی حتی أمی الأولی حواء، وفی صلب أبیها والآباء حتی



[ صفحه 118]



آدم الأول، فقد كنت نورا فی الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسنی الجاهلیة بأنجاسها ولم تلبسنی من مدلهمات ثیابها، فقد كنت مباركا أینما كنت وحیثما كنت، لم أر صلب زان ولا رحم زانیة، أو صلب مشرك جهول ورحم مشركة.

وجمیع الأنبیاء والرسل خرجوا من شجرة واحدة أصلها ثابت وفرعها فی السماء، ولقد اصطفی الله الأنبیاء وآلهم علی العالمین كما فی قوله تعالی: (إن الله اصطفی آدم ونوحا وآل إبراهیم وآل عمران علی العالمین، ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم) [11] اصطفی سبحانه آدم علیه السلام لأنه أول خلیفة له فی الأرض، واصطفی نوح علیه السلام لأنه أول الخمسة أولی العزم من الرسل، وهو أیضا الأب الثانی للنوع الإنسانی بعد الطوفان، لقوله تعالی: (وجعلنا ذریته هم الباقین) [12] واصطفی سبحانه آل إبراهیم. وهم إسحاق وإسرائیل والأنبیاء من بنی إسرائیل علیهم السلام. وإسماعیل والطاهر من ذریته وسیدهم محمد (ص)، وقد جاء ذكره فی دعاء إبراهیم وإسماعیل عند رفعهما قواعد بیت الله الحرام بمكة. (ربنا واجعلنا مسلمین لك ومن ذریتنا أمة مسلمة لك) إلی قوله تعالی (ربنا وابعث فیهم رسولا منهم یتلو علیهم آیاتك ویعلمهم الكتاب والحكمة ویزكیهم) [13] واصطفی الله آل عمران. وآل عمران من ذریة إبراهیم علیه السلام، ولكن الله أفردهم فی آیة الاصطفاء لیكون فی هذا إشارة بأن الله تعالی قدمهم علی الناس فی أمر أو أمور لا یشاركهم فیه أو فیها غیرهم.

وآیة الاصطفاء فی خطوطها العریضة إعلان للبشر بأن هؤلاء



[ صفحه 119]



الطیبین الذین خصهم الله والحق بهم من اختارهم، هم فی الحقیقة خیر أمة أخرجت للجنس البشری. لیقودوه علی فترات إلی صراط الله العزیز الحمید، وعلی امتداد المسیرة الإسرائیلیة كان عهد الله فی سبط (لاوی) وذروة هذا السبط هو عمرام، وولد لعمرام موسی وهارون ومریم كما ذكر العهد القدیم، وأمر الله بنی إسرائیل بالطاعة لكهانة هارون ومن بعده لكهانة بنیه، وعلی امتداد المسیرة امتحن الله تعالی بنی إسرائیل بهذه الذریة وبجملة عهوده ووصایاه تعالی، وشاء الله أن تختتم المسیرة بآل عمران، فجاءت الخاتمة یحمل عمودها الفقری نفس الأسماء التی وردت فی المقدمة، لعل القافلة أن تتذكر وتنصت إلی أقوال ملاخی وغیره، ولا تلتفت لأقوال الفرق العدیدة التی أفرزها التفسیر الشفهی للتوراة.

إن المقدمة جاء ذكرها فی العهد القدیم. بقوله إن امرأة عمرام یوكابد. ولدت لعمرام هارون وموسی ومریم [14] أما الخاتمة فقد جاء ذكرها فی القرآن فی آیات كثیرة منها قوله تعالی: (إذ قالت امرأة عمران رب إنی نذرت لك ما فی بطنی محررا) [15] وقال تعالی: (ومریم ابنة عمران التی أحصنت فرجها) [16] فالخاتمة أمام الیهود تحمل عناوین المقدمة، والیهود كانوا یعلمون أن مریم بنت عمران فی حاضرهم تنتسب إلی عمران فی ماضیهم. لكنهم ركبوا مراكب الاستكبار، ومن الدلیل علی ذلك. أن التشریع الوارد فی سفر العدد.

یحتم أن تتزوج كل بنت من أسراتها إن أرادت الزواج من یهودی، لقوله وكل بنت ورثت نصیبا من أسباط بنی إسرائیل، تكون امرأة لواحد من عشرة سبط أبیها، لكی یرث بنو إسرائیل كل واحد نصیب



[ صفحه 120]



آبائه [17] أی إن من هو من سبط روابین مثلا. یتزوج من سبطه ولا یتزوج من سبط شمعون. وهكذا، والنبی زكریا طبقا للشریعة تزوج من امرأة من بنات هارون فقد جاء فی الإنجیل كان فی أیام هیرودوس ملك الیهودیة. كاهن اسمه زكریا من فرقة إبیا، وامرأته من بنات هارون واسمها الیصابات [18] والعذراء مریم أم المسیح علیهما السلام. یحكی لوقا إنها كانت قریبة لألیصابات، ومعنی ذلك إنها تكون من نفس السبط الذی منه الیصابات، ولما ثبت أن الیصابات من بنات هارون. فإنه یثبت بالضرورة أن مریم علیها السلام من بنات هارون.

ومن الدلیل أیضا علی أن الیهود كانوا یعرفون حقیقة النسب، أنهم أفسحوا للمسیح الطریق لیلقی بمواعظه داخل الهیكل. ذكر یوحنا: أن المسیح حضر إلی الهیكل. وجاء إلیه جمیع الشعب فجلس یعلمهم. [19] .

وذكر لوقا: دخل المسیح المجمع حسب عادته یوم السبت وقام لیقرأ [20] وما كان الیهود لیسمحوا بذلك إلا لعلمهم أن المسیح الذی تربت أمه فی الهیكل بعد أن كفلها زكریا الذی ینسب لهارون. یحمل العلم الذی علموا موضعه علی امتداد المسیرة والقرآن الكریم أخبر فی آیاته أن الیهود كانوا یعرفون هذا. وأن الحجة قامت علیهم بما علموا وبما قدمه المسیح وحمله إلیهم، وقال تعالی بعد أن وضعت العذراء ولدها (فأتت به قومها تحمله. قالوا یا مریم لقد جئت شیئا فریا یا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغیا) [21] قال صاحب الكشاف: قوله یا أخت هارون إنما عنی هارون النبی، وكانت من أعقابه فی طبقة



[ صفحه 121]



الأخوة، وعن أبی طلحة والسدی فی قوله یا أخت هارون أی أخی موسی. وكانت من نسله. [22] .

لقد كانت شرافة النسب تقتضی القول: أنها أخت موسی لا هارون، لأفضلیة موسی علی هارون، ولكن جاء انتسابها لهارون دون أبیها عمران ودون موسی. لتكون الحجة علیهم دافعة وهم یتلون الكتاب ویفسرونه التفسیر الذی لا یقره أبناء هارون.

والخلاصة: لقد وضع الیهود النسب الذی یتفق مع أهوائهم، ثم شیدوا علی هذا النسب فتن لا تقود إلا إلی الدجال، ولقد بینت الرسالة الخاتمة أن للدجال كنی وأسماء تستقیم مع فتنته. منها: ابن داوود، أبو یوسف [23] والنصاری الذین دونوا نسب المسیح لم یلتفتوا إلی أن المسیح لیس له أب بیولوجی، وأن نسبته إلی یوسف النجار لا جدوی من ورائها، لأن النسب یجب أن یكون من جهة العذراء فقط، لكنهم عملوا خلاف ذلك، واتبعوا النسب الذی وضعه الیهود، اعتقادا منهم أن متابعة الیهود فی هذا، فیه إدانة للیهود الذین لم یؤمنوا بدعوة المسیح علیه السلام، ولكن هذا النسب الذی تجاهل سبط لاوی الذی علی ذروته آل عمران، قاد الذین ینتظرون المسیح ابن داوود أو المسیح ابن یوسف، إلی فتنة وصفتها الرسالة الخاتمة بأنها أعظم فتنة منذ ذرأ الله ذریة آدم.


[1] العدد 26 / 60.

[2] تثنية 23 / 1 - 2.

[3] تكوين 19 / 30 - 38.

[4] تثنية 23 / 2 - 3.

[5] تكوين 38 / 6 - 0 3.

[6] صموئيل 12 / 7 - 23.

[7] تثنية 23 / 1 - 2.

[8] دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة / موريس بوكاي ص 105.

[9] أنظر متي الإصحاح الأول، لوقا الإصحاح الثالث.

[10] سورة مريم آية 31.

[11] سورة آل عمران آية 33.

[12] سورة الصافات آية 77.

[13] سورة البقرة آية 129.

[14] العدد 26 / 60.

[15] 2سورة آل عمران آية 35.

[16] سورة التحريم آية 12.

[17] العدد 36 / 8.

[18] لوقا 1 / 5.

[19] يوحنا 8 / 1 - 6.

[20] لوقا 4 / 16.

[21] سورة مريم آية 27.

[22] تفسير ابن كثير 118 / 3.

[23] بيان الأئمة ص 104. الفتن والملاحم / ابن كثير ص 133 بيان الأئمة ص 104.